تعد شبه القارة الهندية إحدى مواطن الحضارات القديمة في العالم ، و تتميز بتعددية الثقافات
و الأديان و الألسنة . و هي أيضا مولد الأديان الثلاث ( الهندوسية و الجينية و البوذية)
. و حكمتها عدة أسر في مختلف الأزمنة. تساوي شبه القارة الهندية في مساحتها الواسعة
أوربا بدون روسيا ، و تمتد إلى 4,202,500 مربع كيلومترا. و تنقسم إلى خمسة بلدان و
هي جمهورية الهند و باكستان و نيبال و بنغلاديش و بهوتان. يقع معظم أراضيها في المنطقة
الإستوائية . و تحيط بالهند جبال الهيملايا في الشمال و الأبحار في الجهات الثلاث الأخرى.
اعتبارا لدارسة تاريخ الهند، يمكننا تقسيمه إلى ثلاثة عصور، و هي كما يلي:
1-العصر القديم : يبدأ هذا العصر من عهد ما قبل التاريخ ( ما بين عام 200,000 قبل المسيح
و عام 2,500 قبل المسيح) و يعرف أيضا بعهد الحجر، و ينتهي إلى القرن الثاني عشر المسيحي.
يمثل العصر القديم عهودا و أسرا حاكمة، و من أبرزها:
ألف: عهد حضارة وادي إندس : و هو يمتد من عام 2,500 قبل المسيح إلى عام 1,500 قبل المسيح.
و يعرف أيضا بحضارة " هربا" ، التي كانت حضارة متطورة للغاية في زمانها.
ب: عهد ويدك : و هو بين عام 1,500 قبل المسيح و عام 600 قبل المسيح. هذا العهد له أهمية
كبرى في تاريخ الهند بوجوه عديدة ، و هي :
1-يتم الاتفاق بوجه عام على أن أريان قدموا إلى الهند من سهوب ممتدة من جنوب روسيا
إلى روسيا المركزية في هذا العهد، و ينتمي إليهم الشعب الهندوسي الراهن بشكل عام.
2-استمدت شبه القارة الهندية إسمها " بهارت ورش" من قبيلة ذات قوة ، عاشت في هذا العهد
، و كان إسمها " بهارت".
3-تم تقسيم المجتمع أيضا في هذا العهد إلى أربع طبقات و هي:
براهمن: و هم من الناس الذين كانوا رجال الدين و يؤدون رسومات و تقاليد دينية نيابة
عنهم.
شاتريا: و هم من الناس الذين كانوا يحاربون و يدافعون عنهم و ينتمي معظم الحكام إلى
هذه الطبقة.
ويشيا: و هم من الناس الذين كانوا يشتغلون بالتجارة و الزراعة و الفن.
شودرا: و هم من الناس الذين كانوا متمتعين بأدنى رتبة في المجتمع. و من واجباتهم اللازمة
أن يقوموا بخدمة الطبقات الثلاث المذكورة أعلاه.
و من أهم الآداب الويدكية أربعة كتب دينية مشهورة تعرف بـ " ريغ ويدا و ياجور ويدا
و سام ويدا و أتهر ويد"
ت: عهد غوبتا : فترة هذا العهد بين عام 340 المسيحي و عام 550 المسيحي. يعتبر هذا العهد
عهدا ذهبيا و مزدهرا للهند القديمة.
2- العصر الأوسط : يبدأ هذا العصر من عهد " سلطنة دهلي" سنة 1204 ، الذي يحتوي على
أسر حاكمة و هي :
ألف: أسرة الأرقاء ( عام 1206 إلى عام 1290م)
ب: أسرة خلجي ( عام 1290 إلى عام 1320م)
ت: أسرة تغلق ( عام 1320 إلى عام 1412م)
ث: أسرة سيد ( عام 1414 إلى عام 1415م)
ج: أسرة لودهي ( عام 1451 إلى عام 1526)
يأتي بعد هذا العهد المذكور أعلاه " العهد المغولي"
أسس السلطنة المغولية الملك بابر الذي كان من آسيا الوسطى. توجه بابر إلى الهند بعد
أن تسلط على كابل ، و كان يحكم الهند إبراهيم لودهي آنذاك. جرت المواجهة الحاسمة بين
بابر و إبراهيم لودهي في مدينة باني بت سنة 1526م ، التي يعرفها التاريخ بحرب باني
بت الأولى ( شهدت أيضا باني بت حربين أخرتين) . أخيرا ، فاز الملك بابر على إبراهيم
لودهي و أسس حكومة مغولية، تعتبر أقوى حكومات في العالم و تركت لنا ذات قيمة بالغة
في التاريخ الإنساني ، ما زالت و لا تزال تدهش شعب العالم و منها تاج محل قلعة آجرة
بمدينة آجرة و القلعة الحمراء و المسجد الجامع بمدينة دهلي و من غيرها من المباني التاريخية
الأخرى في مختلف أنحاء الهند. و من أشهر السلاطين في العهد المغولي هم همايون و أكبر
و جهانكير و شاه جهان و أورنك زيب و غيرهم. انتهى العهد المغولي بالأمبراطور الأخير
بهادرشاه ظفر، الذي نفاه الإنجليز إلى بورما بعد ثورة عام 1857م.
3- العصر الجديد: يبدأ هذا العصر من وفاة الملك أورنك زيب سنة 1707 م و ينتهي باستقلال
الهند سنة 1947م.
قدوم الشعب الأوربي إلى الهند كتجار:
لما اكتشف واسكوديغاما طريقا بحريا إلى الهند سنة 1498م ، فبدأ يتوجه إليها الشعب الأوربي
و أسس فيها البرتغاليون ثم الهولنديون و الفرنسيون مراكزهم التجارية. و كذلك أسس فيها
الإنجليز مركزهم التجاري، الذي يعرف بإسم " شركة الهند الشرقية". منحت الملكة إليزابيت
إجازة للشركة من " أنها افتخار دولتنا و ثروة شعبنا" في سنة 1600م. و في عام 1608م،
نالت أيضا الشركة إجازة من قبل الملك المغول جهانكير من أن تؤسس مراكز تجارية في مختلف
الأماكن من الساحل الغربي.
في القرن السابع عشر، حدثت المعركة العنيفة بين الشعوب الأوربية بخصوص احتكار تجاري
، و في الأخير نجح الفرنسيون و الإنجليز في بغيتهم. و لم يمض إلا قليل، حتى دخلت الشركات
الفرنسية و البرطانية في المخاصمة بشأن ترسيخ السيادة في الهند، و استمر هذا الوضع
أكثر من قرن. و أخيرا هزمت القوات البرطانية بقيادة رابرت كلائيو سراج الدولة- حاكم
بنغال- في حرب بلاسي سنة 1757م ، و نجحت في إبعاد الفرنسيين من أرض الهند.
انحطاط الدولة المغولية و غلبة البرطانية على الهند:
و على صعيد آخر، بدأت تظهر آثار انهيار الدولة المغولية منذ القرن الثامن عشر بشكل
سريع مباشرا بعد وفاة الملك أورنك زيب عام 1707م ، و جعل يتعثر نظام الحكم و يتشتت
شمله. طالما بقي نظام السلطة بيد أورنك زيب، لم تنجح خطة الأوربين في الهند. قد اعتبر
المؤرخون الأوربيون نهاية السلطنة المغولية بانتهاء عهد السلطان أورنك زيب ، و يذكرون
إسمه في قائمة السلاطين المغولين بصراحة آخر السلطان المغولي.
ظهر ضعف السلطنة المغولية بصورة أقوى أمام الناس ، عندما اقتحم نادرشاه على الهند و
ألقى القبض على السلطان المغولي محمد شاه عام 1739م، و الذي أعقب المجازر و التقتيل
على نطاق واسع، و سالت الشوارع بالدما، و عم النهب و السلب في مدينة دلهي ، لم يشهد
التاريخ نظيره قط. استفاد الإنجليز بهذه الأوضاع الداخلية المليئة بالأزمات و الفوضى
و الشغب و الصراع، و بالإضافة إلى ذلك، ساعدت قلة مواهب الإدارة و القدرة على تدبير
الأمور للسلاطين المغولين ، الذين جاءوا بعد أورنك زيب، الإنجليز على وصول مرامهم.
أكدت حرب بلاسي في عام 1757م و كذلك حرب بكسر في عام 1764م استحقاق الإنجليز للحكم
في البلاد. تولت شركة الهند الشرقية زمام الحكم بشكل شرعي، بحيث أصدر العاهل المغول
الإسمي شاه عالم إعلانا بشأن تنقل الحكومة المدنية بمناطق بنغال و بيهار و أوريسة إليها.
هكذا انتهى عهد التجارة الاقتصادية التقليدية في تاريخ الشركة ، و بدأ عهد جديد، حيث
دخلت التجارة في حماية السلطة السياسية. تنازل السلطان المغول عن حقوقه إلى أن يكتفي
على منحة حكومية من خزانة الإنجليز، و العالم يشهد أن السلطة المغولية قد قضت على قدرها
للأبد.
كفاح الحرية ضد الاستعمار البريطاني:
و في نفس الوقت، بدأت الحركات لتحرير البلاد من الاستعمار البريطاني، بحيث حث كل من
العلماء و الزعماء الكبار المخلصين أهل الهند ضد الإنجليز و كان منهم أول شخص يطلق
عليه شاه ولي الله الدهلوي، الذي شعر بخطر السلطة البرطانية ، و كتب كثيرا عنه في مؤلفاته،
و لو لم يقدر على تنفيذ أفكاره في حياته، لكن ترك خلفه أولاده و رفقاءه ، الذين قاموا
بتربية الناس على منهج فكره. نتيجة لذلك، جعلت تشتد الحركات الوطنية يوما فيوما، و
تحدث الثورات و الإضرابات في مختلف أنحاء البلاد بشكل مستمر، و يساهم الناس بدون أي
تفرقة في تحقيق تحرير الهند من الاستعمار البريطاني، بحيث نشاهد الاتحاد المثالي بين
المسلمين و الهندوس في الثورة التاريخية الكبرى، التي حدثت عام 1857م في الهند الشمالية
و المركزية. كان يقود هذه الثورة العظمى السلطان المغولي الأخير بهادرشاه، التي تكاد
تشتت و تجرف الحكم البريطاني. و أطلق عليها الإنجليز التمرد و العصيان. بدأت الجنود
الهندية في الجيش الإنجليزي بهذه الثورة في مدينة ميرت، و لكن سرعان ما ابتلعت أرضا
واسعة من الهند، و أدخلت فيها جمهور الشعب. قاتل ملايين الفلاحين و الفنانين و الجيوش
بصورة بطولية مثالية أكثر من سنة، و سجلوا بابا ذهبيا من الشجاعة النادرة في تاريخ
الشعب الهندي. و حدث أمر مهم بعد هذه الثورة، هو انتقال السلطة من شركة الهند الشرقية
إلى التاج البريطاني.
بعد سلسلة طويلة من كفاح الحرية و الحركات الوطنية للاستقلال، حل اليوم الموعود، نالت
الهند استقلالها اليوم الرابع عشر من شهر أغسطس سنة 1947م، و صار جواهرلال نهرو رئيس
الوزراء و راجيندر برساد رئيس الجمهورية للهند الحرة. و خاطب نهرو الشعب الهندي بأسلب
بليغ:" منذ سنين طويلة مضت، ضربنا موعدا مع القدر، و قد حان الوقت الآن كي نفي بتعهدنا،
و الذي كان هذا الوفاء غير كامل و ليس على درجة من التمام، غير أنه وفاء ضروري. عندما
تشير عقارب الساعة إلى منتصف الليل، و عندما ينام العالم، ستستيقظ الهند و تستقبل الحياة
و الحرية. لقد جاءت اللحظة، و هي لحظة قلما تجيئ في التاريخ، كي نقفز من القديم إلى
الجديد، لحظة ينتهي فيها عصر، و تجد فيها نفوس الشعب الذي طالت تعذب راحتها و هناءها".
إن عام 1947م هو عام الفرحة بنيل الاستقلال و الظفر به، و لكن أيضا عام النكبة، حين
أخذ بمبدأ التقسيم في ذلك الاستقلال. بينما كانت الهند تحتفل بمولدها، كانت ولاية بنجاب
تجتاز مرحلة من الفزع الشديد. فقد كان الأفراد يقتلون بلارحمة في القرى النائية ، و
لم تمض إلا أيام حتى كانت " بلاد الأنهار الخمسة( بنجاب)" تتأجج بالنيران بشكل بهيمي
وحشي.
**********************
محمد راشد كمال ( الخبير لدينا حول الهند)
البريد الاكتروني: rashid@t2office.com